السلام عليكم ورحمت الله وبركاته
يشتكي كثير من الناس من استهلاك المجاملات لوقتهم, وحتى تداخلها مع نظامهم الحياتي وعدم قدرتهم على مواجهتها, أو التصدي لها. لأنهم يجاملون ويجاملون أو ينتظرون المجاملة من الآخرين, لأنهم سبق وقدموها.
وبعض الناس يجامل جميع الناس لأن طبيعته هكذا انسان مجامل ولا يستطيع ان يتغير, ولكنه ينتظر من الناس ردا لذلك, ويغضب إن لم يصله, لأنه سريع الانفجار, ويعتقد أن مجاملته لابد أن ترد في وقت الحاجة, ولا يعنيه ردود فعل الآخرين ان تحدث عنهم واتهمهم بالجحود وعدم الوفاء لأنهم جاملهم في مناسباتهم, أو وقف معهم في بعض المواقف, وتكاسلوا عند الحاجة.
والبعض يجامل, جميع الناس من منطلق مبدأ افعل الخير وارمه في البحر, يساند ويؤازر, ويفتح منزله لكل الناس من كرم حقيقي, ونفس طيبة, ويعطي بسخاء, ويبتسم بصدق, ويتعاطف, ويسأل ويبحث, ولكنه لا ينتظر أي رد فإن جاءه فمرحبا , ومن لم يرد وقت الحاجة فالصمت, وقبول الاعتذار, والتغاضي والاغفال بهدوء, هو الموقف السائد لديه, ولكنه يظل قادرا على المجاملة, كطبيعة غير قابلة للتغير.
والبعض يجامل من منطلق واحدة بواحدة, فهو يفتح اليد اليمنى لتفتح له يدك ا ليمنى ايضا , ويتصل عليك, لترد له الاتصال, ويقف معك في موقف, يتعجل ان ترده له, فإن لم تفعل, فالويل لك, لأنك جاحد, ولأنه لن يعطيك مرة اخرى مهما كان احتياجك له, ومثل هؤلاء دائما لديهم خطط مستقبلية في المنح والعطاء فهو يعرف متى يعطي ومتى يسترد, ودائما لا يعطي كل العطاء في المرة الأولى لأنه ينتظر ما لديك ويقيسه, ليعطيك مرة اخرى اكثر وليطالب بما يقابله مرتين او اكثر.
وهؤلاء غير قادرين في حالات كثيرة على المجاملة.
وآخرون تقف مجاملتهم عند حدود معينة, فهم يعطون من يعتقدون أنه قادر على مجاملتهم مهما كان حجمه أو اهميته بمقدار لا يتساوى لأنهم يعطون القليل, ويطالبون بالكثير.
في كل الحالات تظل المجاملة فنا قائم بذاته, تستطيع من خلالها كسب كثير من الناس بابتسامة, بكلمة طيبة, ولكن حاول ان تحمل بعض الصدق وليس كل النفاق, ولا تتجاوز كل الخطوط بصورة مكشوفة. لأن الطرف الآخر اصبح قادرا على التفريق بين النفاق والمجاملة والصدق, ولم تعد الأوراق تختلط ببعضها البعض.
وحاول أن تجامل بعيدا عن فتح الأبواب وانتظار الرد السريع دون ان يطلب منك اساسا هذه المجاملة. لأنك قد تقف كثيرا دون أن يأتيك أحد أو يهتم بانتظارك.
روعة الحياة أن الانسان لابد أن يقف فيها دائما في منطقة متوسطة من كل شيء دون اندفاع أو تراجع مبرر بهزائم وهمية.